Dr.dabbagh

الثلاثاء، مارس 29، 2016

ملحمة حصار الموصل وابعادها النفسية والقومية والعالمية -المراجع الرئيسية

المراجع الرئيسة لهذا البحث :
1-    بطرس حنا، الاب د. (حملة نادرشاه على العراق سنة 1145هـ في وثيقة سريانية)، مجلة بين النهرين، العدد 33، 1981.
2-    الحسني، عبد الرزاق (العراق قديما وحديثاً)، ط4، 1971.
3-    خليل البصير (أرجوزة السيد خليل البصيري)، تحقيق سعيد الديوه جي، مجلة المجمع العلمي العراقي، مجلد 13، 1965.
4-    الديوه جي، سعيد (جوامع الموصل في مختلف العصور)، الموصل، 1963.
5-    ستيفن هـ. لو تكريك (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث)، ترجمة جعفر خياط، مطبعة التفيض الاهلية، بغداد، 1941م.
6-    سليمان الصايغ، المطران (تاريخ الموصل):
جزء 1، المطبعة السلفية بمصر 1242هـ/ 1923م.
جزء 2، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1928م.
جزء 3، مطبعة الكريم، جونيه، لبنان، 1956م.
7-    عصام الدين عثمان الدفتري العمري (الروض النضر في ترجمة أدباء العصر: 3 اجزاء، تحقيق د. سليم النعيمي مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1974، 1975.
8-    عماد عبد السلام رؤوف (الموصل في العهد العثماني)، مطبعة الآداب، النجف الاشرف، 1975.
9-    عمانوئيل للقديس البير، اسقف بغداد (بابل) والقائم باعمال قنصل فرنسا (مقتطفات الرسائل الرسمية) المرسلة الى السلطات الفرنسية، مخطوطة في دائرة الوثائق الوطنية الفرنسية للفترة من 1742-1746م، ترجمة د. يوسف حبي، مكتبة د. محمود الجليلي.
10-       القادري، السيد فتح الله الموصلي (أرجوزة ملحمة الموصل)، تحقيق سعيد الديوه جي، مطبعة أسعد، بغداد، 1965.
11-       لانزا، دومينيكو (الموصل في الجيل الثامن عشر- المذكرات) تعريب القس روفائيل بيداويد، مطبعة النجم، الموصل 1951م.
12-       محمد أمين خير الله العمري (منهل الأولياء ومشرب الاصفياء من سادات الموصل الحدباء)، تحقيق سعيد الديوه جي، مطبعة الموصل، 1/1967، 2/1968.
13-       محمد مصطفى الغلامي (شمامة العنبر)، تحقيق د. سليم النعيمي، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، 1977.
14-       ندوة الاضطهاد اللغوي لعرب الاحواز، المنعقدة في بغداد للفترة من 10-12/1/1982.
15-       ياسين الخطيب العمري (قرة العينين في تراحم الحسن والحسين) مخطوطة، نسخة مصورة في المجمع العلمي العراقي برقم (91)، 1366نـ.
16-       ياسين خير الله العمري (زبدة الاثار الجلية في الحوادث الارضية) تحقيق د. عماد عبد السلام رؤوف، مطبعة الآداب، النجف الاشرف، 1974.
17-       ياسين خير الله العمري (الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون) جزءان، مخطوطة مصورة في المجمع العلمي العراقي.
18-       ياسين خير الله العمري (منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء)، تحقيق سعيد الديوه جي، مطبعة الهدف، الموصل 1953.
19-  Olsen, Robert W. (1975). The Siege of Mosul and Ottman-Persian Relations 1714-1743. Indiana University, Bloomington, USA.
20-  Stanhope, Aspin wall (1743). Letters to the Duke of New Castle His Majesty's Principal Secretary of State. London; Public Records Office, Sp. 97. Turkey 32.

21-  Kemp, Percy E. (1979). Mosul, Mosuli Historians of Al-Jalili Era 1726-1834. Michaela's (Ph.D. Degree). Oxford; Pembroke College.

ملحمة حصار الموصل وابعادها النفسية والقومية والعالمية -الجزء الرابع

واليوم ... في حربنا المقدسة:
واليوم في حربنا المقدسة عن ارضنا وعروبتنا وامتنا، لابد أن نذكر عبر القرون تلك السلسلة المتلاحقة من الموج العدائي ضد الامة العربية ودور العراق البطولي الرائد في حمل مسؤولية الدفاع عن امة العرب والاسلام في وجه التهديد الفارسي.
وعندما نذكر حصار الموصل كآخر سلسلة من تلك الموجات الكاسحة الكريهة والفاشلة، فإننا سندرك حالا كيف ان التحرش والتهديد الفارسي للعراق ودول الخليج ومحاولته التسلل الى الوطن العربي يزحف مخطط بأسلوب الهجرة والاستيطان او باحتلال جزر واغتصاب قطع من الاراضي والمياه وفرض السيطرة على الملاحة في شط العرب والخليج العربي، ثم الشروع بقصف المدن العراقية القريبة من الحدود ..، كيف ان كل ذلك كان ينذر بهبوب العاصفة الفارسية العنصرية من جديد بعد خمودها او تسترها حوالي قرنين ونصف من الزمان.
ولم يغب عن حنكة ودراية القيادة الحكيمة  هذا الماضي الطويل ..، فكان لا بد من نقل المعركة الى بلاد الفرس انفسهم وتلقينهم درسا لن ينسوه ليكون ملحمة العرب الكبرى والقادسية الثانية واسطورة القرن العشرين التي يسجلها العراق نيابة عن الامة العربية.
وحيث ان بحثنا يتناول حصار الموصل وعبرته. فسأذكر تلك القضايا التي أدت الى حتمية حربنا الدفاعية العادلة ونقلها الى ارض العدو وليس على ارضنا هذه المرة. اما اوجه المقارنة فكثيرة ولا تغيب من فطنة القارئ ولا ضرورة لذكرها جميعها بالتفصيل الا ما يستوجب الذكر والملاحظة والتأكيد:
1-    فاذا كان حصار الموصل من اهم احداث الشرق الاوسط في القرن الثامن عشر بشهادة النقاد والمؤرخين والدارسين المعاصرين، فان الحرب العراقية – الايرانية الحالية اعتبرها الدارسون انها من اهم احداث الشرق الاوسط في العامين 1981  و 1982 مع الفارق بينهما من حيث السعة والتميز العسكري والسياسي والاجتماعي والتاريخي الذي نجده الآن في حرب القادسية الثانية والتي تدور في ظروف متشابكة وبين محاور متقاطعة محرجة جدا على المستويين القومي والعالمي ..
2-    إن شخصية وسيرة نادرشاه الذاتية تذكرنا لاول وهلة بشخصية الخميني. فلقد ولد من عائلة لم تكن نابهة ولا حقيرة في خراسان عام 1688م من قبيلة الافشار. وقضى حياته راعيا ومجازفا وقاطع طريق، ثم ضابطا في جيش اللانظاميين الصفوي. ثم انضم الى طهماسب شاه ايران الصفوي وبلغ مكانة رفيعة في عشيرته. وتولى قيادة الغزوات بنفسه وتوسع وطرد الافغان المحتلين، وهكذا حصل على لقب (طهماسب قولي خان). ونظر الى نفسه كآخر فاتح آسيوي سيعرفه العالم. وكان نادرشاه عنيدا غشوما كثير الحروب سفاكا للدماء، واشتدت شوكته وتعطشه للثار ..، فقد انقلب على الصفويين وستاثر بالحكم، وبادر بالاصرار على شروط متعذرة على العثمانيين وهي ((تلك الشروط التي تجعل الفرد يرتاب بوجود خلل في التوازن العقلي الذي كان منشؤه الطمع المفرط والقسوة الجنونية والجشع اللذان عرف بهما الشاه في سني حياته الاخيرة)) (78). وقد مات الشاه اغتيالا، وبذا لاقت بربريته العطشى الى الدماء نفورا من شعبه وفزعا، فلقي حتفه على ايدي مواطنيه (79).
وكان تمرد ابن نادرشاه (رمنا قولي) عليه دليلا على عدم قناعته بسياسته أو افكاره، لكن نادرشاه عاقبه بسمل عينيه، وقبل ان ذلك دفع بنادرشاه الى مزيد من حالة اختلال التوازن العقلي والحنكة السياسية وزاد من شراسته واعتدائه وممارسته القتل التعسفي الاعتباطي (80).
3-    إن تاريخ اعتداءات الفرس على العراق والبالد العربية وما تفعله قواتهم ولا أخلاقياتهم لا تدع مجالا لتردد أي عربي مخلص في قرننا العشرين في الدفاع عن نفسه ونقل الحرب وساحتها الى داخل اراضي الفرس. والادلة على ذلك كثيرة منذ ايام السومريين والبابليين، لكننا سنقتصر على فترة العلاقات العثمانية – الايرانية:
أ‌-        فقد هاجم عباس باشا الصفوي بغداد عام 1622م ودخلها فقتل اربعة الاف من نفوسها واحرق ما وجده من مخازن الكتب وخرب مرقد الامام عبد القادر الكيلاني ومرقد الامام ابي حنيفة، وارتكب فظائع كثيرة (81).
ب‌-    وأرسل وزيره قاسم خان الى الموصل لفتحها عن طريق كركوك. وكان فظا شرساً أخاف الاهالي فهاجر من المدينة كثيرون الى جزيرة ابن عمر (82).
جـ- وفي عام 1732م حاصر نادرشاه بغداد تسعة أشهر بعد أن اجتاح الحلة والكوت ولم يدخلها، لكنه قتل الابرياء وسبى النساء ودمر العمار (83).
د- أما (نركز خان) وهو في طريقه الى الموصل لتأديبها فقد دمر في طريقه (دير سعيد) جنوب الموصل وقتل رهبانه وتركه قاعا صفصفاً (84).
هـ- وطيلة مسيرة نادرشاه من بغداد الى الموصل عن طريق كركوك – أربيل عام 1743 لحصار الموصل ووصوله السهول المحيطة بالموصل كان يهلك القرى (وخرب قرية القورية قرب كركوك)، واحتل كرمليس وبرطلة وقرهقوش وتلكيف وتلسقف والقوش. وكان يقتل النصارى ويسبي النساء والصبيان وينهب الاديرة، وقيل ان عدد الاديرة التي نهبها بلغت 300 دير (85).
و- وقد نهب جند نادرشاه مرقد وجامع النبي يونس (ع).
ز- ودمروا مدينة زاخو وخيرات جزيرة ابن عمر.
ح- ولم يحترم الفرس آداب وقوانين الحروب، فقتلوا بعض الاسرى، كما حدث في معركة (نركز خان) وقتله عندما هاجم الموصل.
4-    إن الابحاث التاريخية الحديثة، واعادة التدقيق والتنقيب كشفت بما لا يقبل الشك ان حكومات الفرس المتتابعة على اختلاف نعراتها وعشائرها واطماعها كانت تنتهج سياسة مبرمجة لاضطهاد عرب الاحواز وتثبيت ومتابعة سياسة (التفريس) (كعملية غسل دماغ) بطيئة ومستمرة وجدية بالصيغ التالية (86):
أ‌-        التخريب اللغوي بابدال وتغيير اسماء المواقع والقرى والمدن العربية.
ب‌-    الاساءة الى لغة القرآن الكريم.
جـ- منع تسمية الاطفال باسماء عربية.
د- مد النفوذ الفارسي تحت غطاء دعوة اسلامية.
هـ- تزويد النساء المتزوجات الاميات من عرب الاحواز بحبوب منع الحمل عند مراجعتهن المستوصفات الطبية للمعالجة الاعتيادية هادفين بذلك الى تقليل النسل العربي.
و- تغريم والد كل طفل عربي في المدرسة ينطق بكلمة عربية بمبلغ من المال، فاذا كثرت هذه الاغلاط يكون مبلغ التغريم رادعا للأب والاسرة، مما قد يضطره الى منع طفله من الذهاب للمدرسة لفقر حاله.
ز- ويؤدي ذلك الى ارتفاع نسبة الامية في الاحواز والتي بلغت اعلى نسبة في العالم وهي 97%.
ح- جعل اول واجب لأي حاكم ايراني (من ضمن برنامجه السياسي9 هو خلق الفرصة لمهاجمة العراق قبل كل شيء، مما يكشف عن نية عنصرية متوارثة لغزو الوطن العربي من باب العراق، والتذرع بأسباب تتعلق بالمرحلة التاريخية.

فبعد كل هذا – ونحن بصدد حصار الموصل في ضوء حرب القادسية الثانية، نجد أن حربنا اليوم هي ضرورة حضارية وقومية تهدف الى فك الحصار عن الامة العربية والى التفرغ الى الخطر الآخر وهو الصهيونية العالمية الممثلة في إسرائيل المزروعة لغما في قلب الوطن العربي.

ملحمة حصار الموصل - الجزء الثالث


الحرب النفسية في حصار الموصل:
"الحرب النفسية" اليوم تلمع في ذهن القارئ كوسائل الدعاية والاعلام والتقنية الحديثة من وسائل التوصيل، كالإذاعات والصحف والتلفاز والنشرات الملقاة من الطائرات ومكبرات الصوت. فكيف نتكلم عن حرب نفسية حدثت قبل (250) عاماً حيث لم تكن تتوفر كل هذه الوسائل؟ ومع ذلك، فقد وجدت في ملحمة حصار الموصل جوانب لحرب نفسية حقيقية اعتمدت على المعنويات وعلى وسائل بسيطة لكنها مؤثرة في تسيير دقة المعركة وحسم النصر للعراقيين.
وكانت ملحمة حصار الموصل موضع حديث وذكر وتعليق الكثير من الكتب والتقارير والقصائد أثناء وبعد المعركة، وفي كل دراسة تناولت الحكم العثماني في العراق أو العلاقات العثمانية-الإيرانية (43). وقد وجدت أن أوضح وأوجز استعراض مسلسل للمعركة هو التقرير الرسمي الذي بعثه محافظ الموصل (والي حلب) حسين باشا القازوقجي مساعد والي الموصل الوزير الحاج حسين باشا الجليلي إلى السلطان محمد الثاني في استانبول باللغة التركية بعد هزيمة نادرشاه ورجوعه على أعقابه مدحوراً بعد حصار دام (42) يوماً. وكان والي حلب قد قدم إلى الموصل بصحبة الفين (أو أقل) من الجند لمساعدة الموصل. وقد خط الرسالة بالتركية (بارعي أفندي) وحملها إلى الباب العالي ابن حسين باشا الجليلي محمد أمين بك. وقد نشرت الرسالة في (سالنامه ولاية الموصل) سنتي 1308ه و 1310ه، وترجم التقرير إلى العربية المرحوم دكتور داؤد الجلبي (44).
وأورد أدناه ملخصاً للتقرير لاعطاء القارئ الكريم الصورة الرسمية لمعركة حصار الموصل قبل التطرق إلى ما دار خلالها من حرب نفسية:
"يخاطب محافظ الموصل السلطان العثماني بالتحيات التقليدية الرسمية (45)، ثم يذكر له أن نادرشاه بعد أن اكتسح قلاع ليلان وكركوك وأربيل وتوهم أن الموصل ستكون لقمة سائغة أيضاً. وأرسل الشاه أربعة أشخاص من بينهم اثنان من شخصيات كركوك ومعهم رسالة موجهة إلى مفتي الموصل-وليست للوالي-، مما استوجب اعتراض الوالي على هذا الأسلوب في المخاطبات. وتضمنت الرسالة انذارا وتهديدا من الشاه بأن يسعى الوالي وأتباعه إلى تسليم القلعة وترغيب الأهالي في استقباله مباشرة. فأعد الوالي والمحافظ الرد المتضمن إلى الاهالي والحكام سيدافعون عن ديارهم ومستعدون للحرب. وعاد السفراء الأربعة ليرجع سفير أخر أرسله الشاه ليخاطب الوالي برسالتين هذه المرة ويعده بأن الشاه هو (شاه المسلمين) وذو مراحم كثيرة (شاهنشاه يندر مثيله، تعرفه بلاد الهند والترك وسائر الممالك)، وأنه كريم يشفق على الأنام وقد جاء لينشر المودة والرأفة، ويطلب من أهالي الموصل الاستقبال و (التذلل) والاستعطاف أمامه وإلا كانت النتيجة شراً. فطردوا ذلك الرسول قائلين له: (إذا جاء سفير منكم بعد هذا فأننا سنقطع رأسه عوضا عن اعطاء الجواب..)، وكانت أول معركة أن عبرت قوة من (700) محارب نهر دجلة لتصدي لطلائع الغازين، لكن جمهر كبيرة من الفرس توالت عليهم فرجعت القوة منهزمة فقتل منهم وأسر أثناء انسحابهم. بعدها عسكر نادرشاه بـ (300) فارس وخيم في موقع (يارمجة) مقابل الموصل من الساحل الأيسر جهة الجنوب الشرقي قرب جامع النبي يونس. وطاف الشاه حول المواقع وبنى الأبراج والمتاريس وعين مواقع المدافع والهاونات في أثني عشر محلاً. وانتقل بقوة أخرى إلى غربي الموصل. وبدأ القصف الشديد من جميع الأطراف. وزلزلت الأرض واختلطت النار بالدخان وبالاتربة والرمال المتراكمة (وتحول النهار المضيء إلى ليل مظلم). ودام الحال أيام متوالية تبعها بخمسة أيام أخرى من قصف البج الكبير (باشطابية) و (باب سنجار) فتهدمت مواقع كثيرة لكن الوالي وأبنائه وأقرباؤه كانوا يقضين ساهرين يوزعون الأعمال ويشجعون ويرمون الثغرات ويبنون البروج من جديد ليل نهار. وحول الشاه مجرى دجلة لقطع المياه عن البلدة لكن الآبيار المهيئة سابقاً والكثيرة في البيوت عوضت عنها رغم حصول ضيق وحيرة من جراء ذلك. لكن الصبر والحماس والايمان جعل الجميع يصدمون. وكانت مجالس الشورى تعقد يومياً لدراسة سير المعركة، ودوريات الوالي والقادة على جميع المواقع والأبراج مستمر ليلاً وكانت قلوب الأعداء تهلع عند سماعهم نداء (الله...الله...) من قبل الموصليين اضافة إلى اصوات الأذان المحمدي في القلل. وكانت آخر محاولة للفرس هي زرع الغام تحت السور (البدن) لهدمها والنفوذ منها كما جهزوا نحو الف سلم لتسلق عليها لكنها السهر واليقضة وإعداد الزيت المغلي لسكبه على المتسلقين ورميهم بالحجارة افزعتهم وسحقهم. أما لطف وعناية الله فقد جعلت لغمين ينفجران خلاف الخطة فأحدها انفجر باتجاه معاكس ليقتل منهم الالاف، والثاني انفجر تحت السور غير السور الحقيقي للبلدة. ولم ينفجر اللغمان الآخران. وهكذا أصاب العدو اليأس والخيبة وتعطل مكره وكيده (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله).
ثم طاردت عساكر الموصل فلول الفرس المضطربة خارج السور بالقنابل والسيوف والخناجر والرماح داعين مهللين  (الله...الله...). وتكومت جثث العدو الغاشم وسالت الدماء (وأعادت ذكرى بطولات سابقة، فأنهار الداء المتلاطمة الفائضة من السيوف الإسلامية حكت حادثة الطوفان واشبهت سيل رستم ونريمان)، فلم ير الفرس واقعة كهذه تشبه يوم الحشر. وكانت قذائف عساكر الموصل دقيقة تصيب أهدافها بينما تطيش قذائف العدو. وكان الوالي والمحافظ والاتباع مع المقاتلين ووراءهم حاضرين دائماً مشجعين مشاركين قائلين: (هذه فرحة احراز الشهادة وكسب السعادة في العقبى). وكانوا يكرمون الجرحى والغرقى من الأعداء، واضمحلت عساكر (القزلباشي) فاضطروا إلى إلقاء أنفسهم في الخنادق حيث هلك أكثرهم وولى البقية الأدبار باكين لحالهم كزمرة خنازير. وعندما أرادت خيالتهم منعهم من التقهقر والهرب ومعهم الشاه يصيح فيهم، لم يلتفتوا إليه بل هاجموا رفاقهم الخيالة بسيوفهم لفسح الطريق لهم وقاتلوهم فعلاً في بعض الأماكن. وكان ما رموه من قنابل على المدينة قد بلغ سبعين الف قذيفة من (200) مدفع عدا مرميات الحجارة والبنادق. عندئذ طلب الشاه تقديم هدية له من ثمانية خيول أصيلة نادرة من الوالي لستر خذلانه ورمزاً للصلح وليس للهزيمة الفعلية لأنه انسحب بالفعل مولياً الأدبار بعد استلامه الهدية دون أي شرط-انتهى تقرير الموصل للباب العالي.

1- الحرب النفسية الفارسية:
من البديهي ان يكون لكل حرب نفسية جانبان: سلبي (في جانب العدو) وايجابي (في جانب الشعب المعتدى عليه). وقد استفاد نادرشاه من بعض الامور لشن حربه النفسية لتمهد له اجتياح الموصل ثم اسقاط الدولة العثمانية يمكن تلخيصها بما يلي:
1-    استغل نادرشاه شهرته الحربية عندما اجتاح الهند والسند واحتل بعض المدن العراقية، ولم يخف ذلك عندما ارسل اول كتاب له إلى والي الموصل يحذره فيها وينصحه بتسليم المدينة. ثم يلجأ إلى الاقناع المعسول اذ يختتم الرسالة بالتحذير من العقاب الذي ناله أهالي الهند والسند والترك وكركوك، وينصح الوالي وأهالي الموصل ((بإستقباله هو الشاه العادل الكامل الرؤوف والخاقان الأعظم العطوف، فهو معروف بهمته العالية بالشفقة والاستعطاف ...، فلا تعرضوا انفسكم لنزول نيران عضبه وشده بطشه وسخطه ...)) (46).
2-    استند نادرشاه على دعاية سبقته عن شده بطشه وقوة جيشه وضخامته والذي اجتاح المدن الكبرى والقرى المنتشرة حوالي المناطق القريبة من كركوك إلى الموصل.
3-    حاول الشاه الحيلة بعرض الصلح دون الوعد بكف الهجوم. وكان يستعين بآيات من القرآن الكريم لفت عزيمة الوالي والمحامية واقناعهم بعدم جدوى القتال مثل: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان))، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: ((ان من فرج عن أخيه المؤمن فرج الله عنه سبعين كربة يوم القيامة، ومن رأى أخاه في حفيرة فأنجاه، أنجاه الله من النار ..)).
4-    توهم نادرشاه بأن الموصل لا تختلف عن أربيل وكركوك والحلة والقرنة والبصرة من حيث ضعف ونقص استعداداتها. وكذلك تصور بعض الرحالة المؤرخين مثل (جين واتر) الذي وصف الموصل بأن أسوارها ضعيفة ومعنويات الموصليين واهنة (47). وقد تعزز وهمه عندما وجد أن كركوك قاومت ثلاثة أيام فقط ثم استجابت لشروطه، أما أربيل فقد وجدت في التسليم خيراً لأهاليها فلم تقاوم اكثر من نصف نهار ..
وكان هذا كل رصيد الفرس في حصارهم للموصل. فالمعنويات التي استند اليها نادرشاه كانت واهية وأساسها الغرور والغطرسة والثقة في عدد المقاتلين وليس في كفائتهم الحقيقية أو ايمانهم بقضية معينة راسخة.
الحرب النفسية العراقية ضد الفرس:
1-    كان نجاح قوات الموصل عام 1732م في قتل قائد الحملة مساعد نادرشاه (نركز خان) الذي أرسله بثمانية آلاف جندي اثناء حصاره لبغداد وتشتيت جنده قبل وصوله الموصل، (والرجوع برأسه إلى المدينة) تاريخا قريبا مشجعاً اذ كان النصر والاعلام والتحيات وهلاهيل النساء وقصائد الشعراء والادباء تذكر هذه المعركة وتعيش في أذهان الصغار والكبار اذ لم يمض على الحادثة اثنا عشر عاماً فقط (48).
2-    ان اجتياح نادرشاه للقرة المحيطة بالموصل وعلى طول مسيرته من كركوك إلى اربيل وحتى وصوله الموصل، واعتداءه على الأطفال وسبيه النساء وتخريبه المزارع لم يثر الرعب بقدر ما أثار الحقد والمرارة والعزم على المقاومة بالتوجه إلى مدينة الموصل كمعقل دفاع ليشاركوا أهاليها في الحرب. فكان هذا التجمع المختلط من مختلف القوميات والاديان والمستويات ابرز تجسيم لوحدة وطنية في إطار روحية الدفاع عن الوطن الأكبر وفي انصهار الحماس والمعنويات في غاية واحدة هي رد دخيل مارق وماكر وغادر لا يقيم وزناً للإنسانية ولروحية الاسلام الصحيح أو الجيرة. لذلك كان دفاع الموصل دفاعاً شعبيا بكل معنى الكلمة..
3-    إن المتابعة المستمرة من القيادة لتدابير الدفاع والهجوم والحراسة والترميم والاسعاف وتوزيع الوحدات، وشجاعتهم وامتزاجهم مع الأهالي بصفة المواطن المحارب قبل صفة الحاكم والآمر والناهي وحدت كلمة الاهالي وقلوبهم وجعلتهم أمام مسؤولية مباشرة قومية وطنية، وليس مجرد انفار محاربين في اطار تنظيم عسكري. وكان هذا هو شعور الجندي النظامي وشعور المدني من الاهالي الذين تطوعوا جميعاً وامتثلوا لتوجيهات القيادة. ويلاحظ من تتابع الاحداث وواقعها أن ولاء الوالي واسرته كان للعراق والعروبة، وقد اطلق علهيا فعلاً "الحرب المقدسة" (49).
وكانت الموصل تستعد روحيا وماديا للمعركة. وكانت الموسيقى العسكرية ودورات الباشا بين كراة الخندق وبناة السور المشتغلين باستمرار تلهي الجميع وتحبب اليهم العمل (50).
4-    وصول نجدة والى حلب – رغم قلة عددها – اضغى على حرب الموصل مصير المدن العربية وتآخيها ضد اعداء العروبة والاسلام. ويضاف إلى ذلك قدوم نجدة من (500) محارب كردي ساهم فيها (كوج باشا) حاكم كويسنجق، مما اكسب المعركة عنصراً معنوياً جديداً وهو أن الأكراد يرون في الهجوم الفارسي اعتداء على شرف الامة والوطن.
5-    كان قرار الصمود والدفاع عن البلدة مثال الديمقراطية البرلمانية والشعبية. فقد جمع الوالي الاهالي في طرف المدينة الجنوبي الشرقي في الساحة المحيطة بالجامع الأحمر (51) وقرأ عليهم رسالة نادرشاه المليئة بالغطرسة والتهديد والوعود الخادعة وسألهم رأيهم فيما جاء فيها وموقفهم منها. وقد أدركوا كذب وغرور نادرشاه، ولم ينخدعوا بما تظاهر به من ايمان وعطف فأجابوا جميعهم بصوت واحد أنهم مستعدون لما يأمرهم به وموافقون على رأيه في اقتحام غمار الحرب ولو كلفتهم إراقة دمائهم جميعاً (52). ويقول فتح الله القادري في أرجوزته هذه الأبيات:
قد جمع الناس وأفشى الخبرا

اذاع فيما بينهم ما قد جرى
وقال: ياناس الا فاجتمعوا

وحال كركوك واربل اسمعوا
فقال: نحن وبنو اعمامي

نشد حزم العزم للأقدام
لقد أتت نوبة ذي الحدباء

وانه آت بلا مراء
فنحن منكم ثم انتم منا

فلا تخافوا فشلا وجبنا
وعرضكم عرضي وانتم مني

وطفلكم طفلي خذوا ذا عني
فواطنوا القلب على الثبات

واخلصوا لله بالنيات
فقوموا ياقوم على البروج

وهموا ياناس على الخروج
فقامت الناس إلى السلاح

وصاح فينا صائح الفلاح

6-    وكان الجواب على كتاب الشاه موزونا رزينا مشحونا بالثقة والمعنويات نذكر منها المقتطفات التالية: ((... فالعياذ بالله، امن بعد إيماننا والمقاتلة دون اموالنا والمكافحة عن أولادنا وعيالنا، يهولنا منكم شقايق اللسان ويروعنا سحر البيان ووسوسة الشيطان وكثرة الهذيان ..، فما وعيدكم الا كصرير باب، وكما ظن لوح الهجير ذباب. أفرأيتم أن القصاب تهوله كثرة الغنم أو الاسد الغشمشم يدركه تراكم النعم ..))، ((.. كلا ستعلمون ثم ستعلمون اسافنا صقيلة .. وسطوتنا ثقيلة .. وحلومنا رزينة ... وقلوبنا كالحديد متينة .. وبلدتنا بحمد الله حصينة. ستر العرش مسبول علينا، وعين الله ناظرة الينا، وسيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون. ورثنا عن آباء صدق.. ، ونورثها اذا متنا للبنين. فلا سمعا ولا طاعة، واهلا بالسعادة والشهادة هذه الساعة ..)) (53).
7-    وكانت كفاءة الوالي وحسن تدبيره وقيادته وسهره وحبه للمدينة واهاليها وتطوعه بنفسه واولاده وأقاربه موضع تقدير الجميع ورفع معنوياتهم ونسيان أي مثبطات أو امور سلبية تافهة. فشخصية القيادة والفرسان والضباط والجنود كانت من روح الجماعة ومعها.
وقد أحرز والي الموصل بذلك تقريضاً ومديحا وتاريخا لشخصيته الباسلة في كل ما كتب من تاريخ الموصل في تلك المحنة (54)، ويذكر محمد مصطفى الغلامي في (شمامة العنبر) جملة من اصلاحاته وعطفه على الفقراء والمحتاجين حين الغلاء والمجاعة وعمله الافران لإطعامهم (55).
8-    وكانت وحدة المسلمين والمسيحيين في جيش مدافع عن الموصل من ابرز احداث القرن ودليل وطنية وعروبة القتال، وساعد على استقلاليتها وشعورها بذاتها وكيانها وتمثيلها للعراق بعيدا عن الباب العالي. ويقول الرحالة (نيبور) ان المسلمين شهدوا للمسيحيين بالشجاعة والصمود والحفاظ على روح النصر.
9-    وكانت كل عملية حربية وكل استعداد يقوم به الجند والأهالي يسهم فيه كل أفراد الاسرة الحاكمة وعشيرتهم. فقد جرى حفر الخندق حول اسوار الموصل بعمل جماعي من قبل الغني والفقير والشهير والمغمور ..، وكان كل ضرر وتخريب يحدث نتيجة القصف يصلحه الاهالي ليلا او نهارا وفي الحال وفي أي مكان من أزقة وشوارع ((فتضافرت بذلك مجهودات الجميع من الجليليين الى الشحاذين)) (56).
10-    إن انكشاف المكر السياسي والمناورة الطائفية في إطماع نادرشاه التوسعية بأفعاله واقواله المناقضة لروح الدين الاسلامي الحنيف اصبح مفهوما لدى العامة. كذلك استصدر الباب العالي من علماء الدين في استانبول فتوى مفادها أن ((القتال ضد الفرس وأسرهم أمر حلال وان مطالب الفرس تناقض الدين الحنيف)) (57).
واستشهاد الموصل بالائمة وشعور الاهالي بانهم كانوا فرسان الامامين علي والحسين (عليهما السلام) اثناء الحصار دليل على عدم قناعتهم بادعاء الشاه وعلى محبتهم وشدة تعلقهم بمبادئ واخلاص وسمو سلالة الرسول العظيم. ويقول في ذلك خليل البصير (58):

هذا ولله جزيل الشكر


على النجاة واندفاع الشر
ثم من الصلاة ازكيها على


جد الذين حوصروا في كربلا

11-    إن قسوة نادرشاه على سكان القرى واعتداءه على الاديرة لم يكن مصدر ذعر للمواطنين بل حافزا لهم على المجابهة والحرب والمقاومة فلم ينس الهاربون والفارون ما فعله (نركز خان) عام 1732 في قرى متعددة، وما فعله الشاه في اربيل بعد حصارها وامتلاكها فقتل غالب اهلها وسبى نسائها وما ترك قبيحة الا وفعلها ثم رحل عنها الى الموصل (59). كذلك ما فعله جند نادرشاه في (دير ماراوراها) قرب قرية (باطنايا) اذ قتلوا القسس فيه، ومنذ ذلك الحين اصبح الدير مهجورا. لذلك فان الفارين اللاجئين من اطراف الموصل دخلوها كحصن دفاعي، ووجدوا في حسن استقبال الوالي والاهالي ورعايتهم لهم حافزا للقتال، وقد تم فعلاً تزويدهم بالسلاح والمؤن وشجعهم الوالي على القتال  والمشاركة في كل الاعمال.
12-    اخبر الوالي سكان الموصل ان رسل الشاه دليل ضعفه وخوفه وليس بسبب قوته وتمكنه من الموقف. ثم طلب اجراء خدعة حربية لاولئك الرسل وذلك بأن يجمعوا القنابر ويخفونها في ساحات بيوتهم، حتى اذا جاء رسل الشاه لا يمكنهم معرفة الاضرار الحقيقية التي سببوها لهم خاصة وان الترميمات تجري على قدم وساق من قبل فرق خاصة. وعندما سال الشاه رسله عن الاضرار التي حلت بالمدينة اجابوه (وقد انطلت عليهم الحيلة) بانها طفيفة وانهم لم يروا قنابر وقذائف وانهم رأوا معنويات الاهالي جيدة. وكانت هذه الشهادة مصدر استياء وخيبة امل الشاه (60). وكان المدخل الى فناء (كنسية الطاهرة) حتى قبيل الحرب العالمية الاولى مرصوفا بقنابر الطاغية نادرشاه من مختلف الاحجام ثم رفعت وصهرت واستخدمت موادها (61).
13-    كان الوالي حسين باشا الجليلي يكافئ القادة والضباط بالذهب والهدايا تقديرا لاعمالهم البطولية (62). أما الهجمات مالمضادة والغارات الخاصة (التي تشابه هجمات المغاوير الآن) فكان يقوم بها أولاد الوالي وضباطه المقربون. ويذكر القادري في أرجوزته أنه كان احد اعضاء تلك الفرق التي تقوم بهجمات ليلية عبر النهر لترعب الفرس. وكان عصام الدين عثمان الدفتري العمري (مؤلف الروض النضر) ايضا من اولئك الفرسان اذ يقول L(وكنت انا احد الفرسان وشاهدت من الهول ما لم يذكر بلسان )) (63). أما تقرير السفير البريطاني لدى الباب العالي الى حكومته فيذكر ان انفجار احد الألغام الاربعة التي وضعها الفرس من تحت الاسوار فكان من تدبير فرقة المغاوير التي وجهت اللغم نحو العدو وابعدته عن السور، وان ذلك اللغم قد قتل عددا غفير وأربك الجيش الفارسي وكان سببا اساسيا في تفكير نادرشاه بالانسحاب (64)، بينما تذكر المصادر الاخرى ان لغما واحدا انفجر باتجاه معاكس (بطريق الصفة او لارتباك الفرس وخوفهم اثناء وضعه). ولم يتفجر لغمان آخران مما اعتبره الاهالي معجزة ربانية وحماية لله للمدينة.
إن الروح المعنوية العالية التي ذكرناها تشبعت بروحانية دينية تولدت عن ظواهر خارقة جعلت اهالي المدينة يشعرون بأن الله معهم وانهم على حق. والوقائع التالية التي انتشرت اخبارها بين الاهالي تعتبر من عوامل رفع الروح المعنوية وتعزيز الحرب النفسية ضد هجمة (طهماسب الثالث):
أ- بعد أول معركة خاسرة بين عساكر الموصل وجند نادرشاه اراد متولي حضرة نبي الله يونس ان يرفع مافي الحضرة من الفش والبسط وكذا من الجامع فمنعه الوالي وقال دعه فعسى ان يأخذوا ما فيه فيغضب الله عليه ورسوله، وان نقص منه شيء فعليّ اتمامه (65).
ب- ومن حسن الحظ أن دجلة في تلك السنة مازا داو فاض، وبقى عسكر نادرشاه يعبر نهر دجلة من حيث شاء فاحاط جنده بالموصل ((مثل البياض بسواد الحدق))، ونهبوا من حضرة نبي الله يونس كل شيء حتى الحصر (66).
ج- وأعتقد السكان ان مدينتهم مقدسة ومحمية لكثرة مافها من مراقد الانبياء عليهم السلام والاولياء (مثل النبي يونس ونبي الله جرجيس، ونبي الله شيت، والخضر). وفي ذلك يقول القادري:

هذا وقد قلله الرحمن

في أعين الناس وذا أمان
لقد فهمنا انه المكسور

لكون حامينا هو الغيور
حضرة ذي النون رسول الله

كذاك جرجيس نبي الله
قد عود الله اهيل الموصل

من قدم وفي الزمان الأول
لو أذنبوا واخطأوا وتابوا

ثم الى مولاهم أنابوا
يكشف عنهم نازل العذاب

كرامة ليونس الأواب
د- وعزا البعض قوة المسيحيين من الاهالي المحاربين الى وجود أرواح القديسين معهم، مثل القديس (كوركيس) و (يوحنا) و (متي). ولذلك شيد الوالي كنائس جديدة وأعاد بناء وترميم كنائس أخرى (67).
هـ- ومن أسباب ارتفاع معنويات الاهالي ما ورد من ان مريم العذراء حمت المدينة، وأن شفاعتها عوضت عن قلة المؤن والعدد اضافة الى غضب القديسين الذين تهدمت هياكلهم ومعابدهم. ويروى سكان الموصل انهم شاهدوا من سطح كنيسة العذراء الطاهرة اشخاصا يحمون المدينة ويردون عنها القنابل مصوبينها جهة العدو (68).
14-    أن الحماس والاقدام بلغ ذروته بذكر آيات من القرآن الكريم والاناشيد العسكرية (المهتر خانة) والاهازيج والتي كانت سارية كل يوم. ((أهل الموصل كانوا في الليل يقرأون شيئا باللسان التركي يسمى (كلند) –وربما كلبند- كما هو عادة الينكجرية، فاذا تم صاح كل من اذا سمعها وقع في قلوبهم الرعب ويضيق بهم ذلك البر. قيل ان طهماز عنهم)) (69). ولم استطع ايجاد مدلول دقيق لهذه الكلمة او المصطلح، ولكن يستدل من معلومات الشيوخ وكبار السن بأنها تعني النشيد او الادعيات التي تمجد الجيش المدافع عن الموصل. ومهما يكن فان الاناشيد من وراء الاسواء مع دقات الطبول والدفوف واصوات الجموع كانت تقلق عساكر الفرس وتطرد عنهم النوم وتثير فيهم الجنب والتخاذل، ((واهل الموصل على الاسوار مرابطين في الليل والنهار لا يفترون عن الاستغفار)) (70).
ويقول في ذلك القادري:
هذا وكل الناس قد تشجعوا


بحرز مولاهم لقد تدرعوا
وكم لهم في البرج من صياح


الله الله ... الى الصباح
15-    إن كل تصادم ومواجهة يفشل فيها جند الفرس تعزز معنوية الاهالي بعدما تكاد كفة الميزان ان تنقلب او يتصور الفرس انهم المنتصرون. وان كثرة القتلى والمصابين من الفرس لا يمكن تصورها مقارنة بالخسائر القليلة من محاربي الموصل. وقد كانت افدح خسارة هي في انفجار اللغم المعاكس والمعركة التي دارت على الاسوار وخارجها والتي قتل فيها من الفرس حوالي خمسة آلاف و (500) جندي .. ((.. وفي تلك الليلة ضرب اللغم وهو من ناحية الشيخ قضيب البان غربي الموصلن فرد الله كيدهم في نحرهم اذ رد نار لغمهم عليهم)) (71)، ولم يقتل من جند الموصل الا نحو سبعين أو مائة ونيف (72).
وقد ذكر الرحالة (يحيى الكردي العراقي) في زيارته للموصل بعد سنة من المعركة واندحار نادرشاه: ((وبعد سنة اتيت الموصل انا ورأيت آثار القتلى في راضها كالأرجل والايدي والاطراف وغير ذلك (73).
كذلك يذكر المهندسون الذين اشرفوا على حفر أسس كلية طب الموصل الحالية انهم وجدوا مجموعة من العظام والجماجم يعتقد انها من بقايا قتلى جنود الفرس في تلك الجهة من سور الموصل قرب البرج الكبير (باشطابية) (74). ويذكر السيد القادري في ارجوزته ان رؤوس القتلى كانت كالتلول وان نادرشاه خسر ربع جيشه وجرح ربعه الثاني (75). وجاء في (النفحة المسكية في الرحلة المكية) للشيخ عبد الله السويدي: ((فدخلنا الموصل يوم الاربعاء سنة 1157هـ، واجتمعنا الوزير المكرم .. الخ، ورأيت في دار الحكم تلاً عظيما من قلل القنابر والاطواب التي رماها بها. فالحمد لله الذي رد كيده في نحره ومنح الاسلام منحه نصره)) (76).

16-    ومن الضروري ان نذكر مشاركة المرأة في المعركة بحماس عظيم رغم عدم ذكر حوادث معينة، ربما لما كان يحيط ذكر المرأة آنذاك من تحفظات تعتبر خروجا على التقاليد او الادب. لكن النساء شاركن فعلا، وأسهمت نساء الطبقة الارستقراطية في حركة البناء (من مساجد ومدارس) بعد أن استراحت الموصل وتخلصت من شدة وكرب عظيمين (77).

ملحمة حصار الموصل وابعادها النفسية والقومية والعالمية -الجزء الثاني

الأبعاد القومية والوطنية:
إن الشعور الوطني والقومي للعراقيين في إطار الإمبراطورية العثمانية الإسلامية لم يكن غائبا أو مفقودا عن حيز الوجدان والضمير أن لم نقل في وعي المفكرين والنابهين والسياسيين الوطنيين.
ولم يكن العثمانيون يعبرون البلاد العربية اهتماما بالثقافة العربية والعروبة رغم اخلاص العرب والمسلمين لهم. أما الصراع بين الفرس والعثمانيين الذي كان باسم الدين فهو من أسرار المناورات السياسية، لكن أرض المعركة ووقودها فقد كانت على أرض العرب ومن سكانها. وبدخول العثمانيين أرض العراق منذ هام 1534م، لم تنشط العلوم والفنون ومجالات الفكر. وكانت الحركة الثقافية والأدبية محدودة وضيقة وعدد الكتائب والمدارس شحيحة (16)، ولم يبق من مدارس العصر الاتابكى والنهضة العلمية التي رافقته الا النزر اليسير، كما انخفض عدد الطلاب فيها. ولعل اهتمام العثمانيين انحصر في جمع الضرائب وكذلك في دفع غارات الاعاجم الطامعين، مثل: وقائع مراد خان الثالث (1582م)، ومراد الثالث مع الشاه مبرزا (1638م)، ثم طهماسب قولي خان (نادرشاه) عام 1730 (17)، لذلك فان قومية المعركة وروحية البناء والنهضة كانت متوقفة على مدى قوة الرباط الوجداني والوطني بين المواطنين وماضيهم العربي والاسلامي وبين القادة الاقلاء وشعورهم بالانتماء والمسؤولية نحو المنطقة العربية العزيزة أولاً قبل الولاء الثاني في الترتيب والأسبقية للباب العالي. وهكذا نجد براعة وجهود شخصيات بعض الولاة في المدن العراقية الرئيسة كبغداد والموصل والبصرة.
وكانت الانطباعات النفسية في الزائرين الأوربيين القلائل عن حال الموصل سيئة، إذ كانت مهملة وبناياتها حقيرة، وسورها ضعيف متهدم ومهمل، وشوارعها ضيقة منذ أن غزاها السلطان سليمان المخيف واستولى عليها وبقيت التجارة محصورة في المنتوجات الكردية المصدرة إلى حلب وديار بكر وقليل من الملابس والأقمشة للقبائل العربية، كما أوشكت حياكة القماش الموصلي (الموزلين) على التقلص والانقراض. ولم يكن يوجد للمسافرين غير خانين غير عامرين (18).
ولا يمكن اخفاء نظرة الترك إلى العرب بأنهم أقل درجة وأحط قدرا ومنزلة. وفي كتاب (شمامة العنبر) للأديب الشاعر مصطفى بن علي الغلامي مقاطع شعرية تعبر عن هذه النظرة وعن شعور العرب بشخصيتهم وتراثهم وحالهم المزري:
ما قولكم يا علماء أدرنة

***
في زمن لا يشبه الأزمنة

قد دثر الأرضى بازباده

***
وأغمر الجدران والماذنة

ترعد من انفاسه ركبتي

***
ويقشعر الجلد منه سنه

هذا وذكركين أو ثالث

***
يقول "بوقيش صار جد قدرينه"

... إلى أن يقول:
والترك أن تدن منهم يبعدوا

***
يصيحوا في غلمانهم "فاوسنه"



وأن أعزوك بالفاظهم

***
كانت ورب البيت مستهجنة

والطم والفعل غدا كاسدا

***
فكم غدا للدك واللعنة

يا ليتنا متنا قبيل الأذى

***
وقبل هذا الذل والمسكنة

كما يصف خشونة الموظفين الأتراك ومساوئ الإدارة العثمانية (19). هذه الخلفية الاجتماعية والفكرية والسياسية لوضع العراق والبلاد العربية تعطي لحروب العراقيين ضد الفرس (ومنها ملحمة حصار الموصل) أهمية قومية وطنية تتجلى في الأحداث والظواهر التالية:
1.  إن دفاع الموصل عن أرضها وشرفها كان صورة مكثفة لشعور كل العراقيين في بغداد والنجف والحلة وكركوك وأربيل..، ومختلف أنحاء الجناح الشرقي، ورمزا للصلابة والتماسك الوطني والقومي ضد جيش معتدي. ويتضح من عجز الباب العالي عن نجدة الموصل، وقلة النجدات الأخرى من حلب إن جميع طبقات الشعب من حرفيين وعمال وفقراء وأغنياء ونبلاء وأقليات وطوائف دينية استجابت إلى نداء واحد فقط هو الدفاع عن المدينة وعن العراق.
2.  إن والي الموصل الحاج حسين باشا الجليلي وأولاده وأسرته لم يشعروا بالخذلان أو الإحباط لعجز الباب العالي عن نجدتهم، فاستجابة الأهالي ولجوء سكان القرى المجاورة إليهم والمشاركة الديمقراطية واختفاء الحواجز والتفرقة بين الناس أثار الشجاعة والنخوة العربية والوطنية لصد الهجوم. فهو يشبه بالحقيقة الدفاع الشعبي الذي دحر نابليون أمام اسبانيا وكذلك أمام روسيا.
3.  ولقد أطلق الوالي على ذلك الموقف "الحرب الوطنية" لأن من شارك فيها كانوا عربا وأكراداً وأتراكاً: مسلمين ومسيحيين ويزيدية ويهود أيضاً، وموصليين مدنيين وفلاحين وبدو من الأطراف المحيطة بالموصل الذين هربوا من شراسة واعتداءات نادرشاه. وهكذا انتصرت العروبة والوطنية وذللت كل دسائس التفرقة والحيل العسكرية والسياسية للفرس.
4.  إن ظهور الشخصية المحلية القومية بين ظهراني شعب يحب وطنه كان أحد مظاهر انبعاث الروح القومية العربية المستقلة نسبياً عن نفوذ الوالي العثماني (20). وكان لجوء سكان القرى المجاورة من النصارى والأكراد واليزيدية عاملاً في اتحادهم وتصميمهم على القتال مع الجند، بل أنهم أقاموا احتفالاً وتعاهدوا على القتال (21).
وقد أرخ الشاعر الأديب البغدادي عبدالرحمن السويدي مجد الموصل وقوتها ووصف واليها بالعروبة، إذ قال:
    لله دركم ودر رئيسكم فلك تولى قمة العلياء
                         عربي أصل فاتك ذو نجدة ذو شيمة محمودة وسخاء (22)
5.  والحقيقة إن الموصل تميزت بحكم شبه ذاتي وشخصية محلية واضحة المعالم ثقافيا واجتماعيا وعمرانيا وسياسيا واقتصاديا (23)، فهي شخصية الإنسان العراقي التي نلمسها في بقية الولايات العراقية. ولم يكن التنافس بين ولاة الموصل وبغداد مثلاً الا تعبيرا عن الميل إلى الاحتفاظ بهذه الشخصية المستقلة بدل الانصهار في إدارة مركزية عثمانية. وكانت الموصل من أشهر وأهم باشويات العراق منذ عام 1534م، لكن تطور الأمور والأحداث جعل ولاية الموصل متميزة، وارتفع شأنها ونماؤها العمراني والثقافي والأدبي خلال القرن الثامن عشر وهي الفترة التي ساد فيها تواتر وتعدد ولاية أفراد الأسرة الجليلية، وكان أحدها خلال الحصار الكبير على الموصل من قبل شاه إيران (طهماسب الثالث) نادرشاه (أو قولي خان) (24). وكان استقلال باشوية الموصل وشهرزور قد امتد طيلة القرن السابع عشر ثم تلاه، كما إن نفوذ (ديار بكر) على الموصل قد زال منذ القرن السادس عشر (25). ولعل نجاح الحكم الجليلي في قيادة المعركة وفي كسب الدعم الشعبي لمدينة الموصل أيام ولاياتهم يرجع إلى تفهم الروح الموصلية المحلية العربية ولكون أهالي الموصل يضمرون التمرد والنفور من الحكم العثماني المطلق ويحنون إلى حريتهم القومية (26).
6.  ولم تنشأ في الموصل أية قنصليات أجنبية في القرن الثامن عشر على الأقل، بينما كانت منتشرة في بغداد والبصرة منذ فترات مبكرة (27)، ولعل في ذلك علاقة أخرى على الاستقلال النسبي عن النفوذ الأجنبي.
7.  وقد شاركت الموصل بدور سياسي لا ينكر في مواجهة الأخطار الإيرانية، فقد أسهمت في حملات ولاة بغداد مثل حملة حسن باشا وأبنه أحمد باشا كما حدث عام 1120ه/1708م عندما اشتركت قوات الموصل مع قوات بغداد بقيادة أحمد باشا لاسترجاع البصرة من أيدي قبيلة المنتفك القوية. وفي عام 1723م كانت قوات الموصل مع القوات العراقية الأخرى قد اخترقت إيران إلى ايالة أصبهان (28).
8.  وكانت القبائل العربية غير متاحة وثائرة ضد الحكم العثماني وكذلك ضد أي تسلط أجنبي. فاجتياح نادرشاه لكربلاء والحلة والبصرة وسامراء وحصاره بغداد، ثم واحتلاله كركوك وأربيل وبطشه ودماره وفنكه من عوامل بعث الروح الوطنية والجنوح إلى الاستقرار والاتحاد، بل إن ثورة القبائل العربية تحولت إلى وجهة النضال ضد الاستعمار والنضال القومي التحرري (29).
9.  ويتضح أيضاً من استعدادات الوزير والي الموصل وتوجه من حرب قادمة منذ أن حاصر نادرشاه بغداد تسعة أشهر عام 1732م ولم يستطع دخولها، ومنذ أن أرسل قائده ومساعده (نركزخان) مع قوة من ثمانية الاف جندي لفتح الموصل-باعتبارها مدينة ضعيفة..، ومن الفشل الذريع والهزيمة التي منيت بها تلك القوة على أيدي مقاتلي الموصل، والتي اعتبرها نادرشاه ضربة لسمعته وأهانه لشخصه وجيشه..، تلك الاستعدادات الدفاعية التي بدأ يفكر بها والي الموصل قبل مدة طويلة من الحملة الثانية (30)، تدل على ادراك الاطماع الفارسية ورسوخ الحقد الذي لا يرعوي أو يتعظ. وكانت تلك المبادرات بمعزل عن توجيهات الباب العالي، أي نابعة من الإحساس الوطني والشعور بالخطر الذي يهدد المنطقة. وقد تركزت تلك الاستعدادات حول:
‌أ.       حفر خندق حول أسوار المدينة اشترك فيه الكبير والصغير والغني والفقير والعزيز والمغمور (31).
‌ب.  حفر الآبار وتعمير بعض أماكن السور المتهدمة حين تحقق قدوم الباغي نادرشاه (32).
‌ج.    تكريس المحاربين وتقوية الاستحكامات الأخرى.
‌د.      توزيع الكراديس والقادة والمساعدين وأماكن العمل والواجبات...
10.  إن الشهامة والعزة والنخوة العربية التي تمثل في أسود وفرسان قادسية سعد والقعقاع كانت هي نفسها التي تعمل في وجدان الموصل العراقية-العربية. ويذكر الأب (لانزا) الدومينيكي في مذكراته عن حصار الموصل كيف أن أهاليها كانوا شديدي العزم وحلفوا على الدفاع إلى آخر رمق من حياتهم، وأقسموا على أن يقاتلوا الأحياء من نسائهم فيما لو تمكن الفرس من المدينة (33).
11.  إن تبادل الأخبار والرسائل والأشعار والقصائد بين أدباء وشعراء الموصل وبغداد ومعارضتهم لبعضهم (شعرا)، وتتبع أخبار الحصار وتسجيلها يدل على الرباط الوجداني القومي بين أجزاء العراق رغم تجزئته إلى ولايات وباشويات. فارجوزة السيد خليل البصيري المؤلفة من (69) بيتاً (34) أرسلها إلى السيد عبدالله الفخري كاتب الديوان في بغداد ويصف فيها حصار بادرشاه للموصل ودفاع الوالي والأهالي، فأجابه عبدالله الفخري بارجوزة أطول منها عدد أبياتها (215) (35)، وقد أعاد خليل البصير صياغة ارجوزته العربية فكتب قصيدة تركية في ذكر الحصار (وهي مفقودة). وارجوزة السيد عبدالله السويدي عارض بها ارجوزة السيد خليل البصير وبلغ عدد أبياتها (168) بيتاً (36). وأصبح للشعر صبغة قومية إذ تلاحم مع القضايا المستقلة عن المفاهيم العثمانية السائدة، فترعرعت حركة أحياء الأدب العربي القديم (37). وأشادت مؤلفات بغدادية بنصره جيش الموصل على جماعة (نركزخان) وقتله مثل (دوحة الوزراء) و (حديقة الزوراء) (38).
12.  إن الروح العربية بعد انتصارين ساحقين من قبل جيش الموصل على الفرس، والشعور بالعزة الوطنية والذات القومية اندفعت في مسارات حضارية وبنائية منها: تعزيز حركة التعريب، وانحسار التأثير العثماني، وارتفاع شأن اللغة العربية وآدابها المحلية باعتبارها لغة الارستقراطية المحلية (39). وعندما تصبح اللغة الأم هي لغة الأدب والصالون الحاكم فان التراث العربي يجد له متنفسا. وهكذا زادت الحاجة إلى الترجمة إلى اللغة العربية بدل استعمال الفارسية والتركية، وتم فعلاً ترجمة كتاب (تذكرة أولياء بغداد) للمؤرخ البغدادي مرتضى نظمي زاده، وصار من شروط صاحب ديوان الإنشاء إن يكون متضلعاً بعلوم اللغة العربية متمكناً من آدابها مجيداً للخط العربي. وأصبحت المراسلات الرسمية المهمة باللغة العربية (كما حدث خلال حصار الموصل) الذي كتب له الوالي أجوبته بالعربية، كما كتبت بها الوقفيات الشرعية (40).
13.  إن كل ما كتب عن ادعاء نادرشاه بالإسلام والحملات الطائفية كشف عن حقيقة أطماعه وغطرسته وظلمه ولا إنسانيته. وكانت أشعار وكتابات الأدباء والتقرير الذي
رفعه المحافظ إلى السلطان محمود الثاني العثماني تطلق على الشاه المهزوم بأنه
"بلا دين حقيقي" و "من زمرة الخنازير"، وأن محاربيه من ذوي "العتو والغرور" (
41). ووصفوه أيضاً "بالملحد" الذي لا مذهب له ولا عقيدة (42)..، مما يدل على أن الروح الدينية السليمة الواعية فتحت عيون المدافعين على حقيقة الحقد والتعصب الفارسي والادعاء الباطل بالدفاع عن الإسلام بينما تشير كل تصرفاتهم إلى مخالفة تعاليم الإسلام.
 من شدة وكرب عظيمين (77).