Dr.dabbagh

الثلاثاء، مارس 29، 2016

ملحمة حصار الموصل وابعادها النفسية والقومية والعالمية -الجزء الاول

(( ملحمة حصار الموصل وابعادها النفسية والقومية والعالمية ))

بقلم الدكتور فخري الدباغ-مجلة افاق عربية السنة السابعة نيسان 1982

توطئة:
الحرب العراقية- الفارسية التي بدأت في 4 أيلول 1980 أثارت الكثير من الدراسات التاريخية والفكرية والاجتماعية والسياسية، ودفعت بالمفكرين والمؤرخين والناقدين السياسيين إلى إعادة نظر عميقة ومتأنية في تاريخ العلاقات الفارسية- العراقية (والعربية) على ممر آلاف السنين، وإلى التنقيب والاستكشاف عن سر العداء الفارسي للأمة العربية وفي طليعتها الشعب العراقي المجاور لها.
وقد قيل " أن التاريخ يعيد نفسه".... ويعارض ذلك الرأي آخرون على أساس أن كل يوم جديد هو ليس بنسخة طبق الأصل من سابقه ويعتبرون أن هذا التعميم ظاهري أو تقليدي لأن الدقة العلمية تنفي أعادة التاريخ كما هو بالنص والأصل. لكن، في اعتقادي أن التاريخ بالحقيقة يعيد نفسه مثلما " يوضح الحاضر ماضيه"، أو كما يعيد روحية الدوافع المتأصلة والعوامل المتقاربة وراء حركاته وموجاته، وكيف تكشف هذه الدوافع عن جذور قديمة أو تؤجج نوازع واتجاهات حديثة بصور وإشكال تناسب ظروف العصر، أما الجوهر فيحتفظ بماهيته.
والحروب الفارسية- العراقية العربية عديدة ومتتالية، استعرض معظمها مؤرخون كثيرون ورحالة وأدباء وشعراء. وكانت لكل غزوة ومعركة مقدمات ونهايات تتبعها أخريات، ثم تتغير الوجوه والأسماء والحكومات الفارسية؟ وبدون هذا الأسلوب من المعالجة نكون قد حصرنا المسألة في نطاق ضيق من الحقائق الأساسية الحيوية.
و حصار الموصل الشهير من قبل الطاغي الفارسي (نادر شاه) في أواخر النصف الأول من القرن الثامن عشر (عام 1743م) هو سلسلة من تلك الحملات الطويلة المرتبطة بمحور واحد ودافع واحد كان يبدو وكأنه آخر سلسلة وأبرزها منذ قرنين ونصف حتى جاءت حرب القادسية الثانية التي تعتبر أحدى أهم الحروب المعاصرة ذات البعد العالمي الخطير.
وقد تناول (حصار الموصل) الكثيرون بالذكر والتدوين والتعليق: فنهم من شرح الوقائع بالتفصيل.... ومنهم من مر عليها مروراً سريعاً، ومنهم من أعاد سردها وتحقيقها من جانب واحد أو وجهة نظر محددة.... ومنهم من عاصرها وشارك فيها ودونها شعراً أو نثراً أو تقريراً (1)، كما نستدل على ذلك من مجموعة المراجع الأساسية في آخر المقال. لذلك أجد نفسي وكأنني مقدم على شئ أشبعه المؤرخون ذكراً وبحثاً لولا أنني أحاول هنا إضافة الجديد وأقصد إيضاح وشرح ثلاث نواح حيوية نستهلها من واقعة حصار الموصل، وهي:

أولاً:البعد القومي والصدى العالمي وراء حملات الفرس على العراق- ومنها حصار الموصل، ثم حربنا في القادسية الثانية.... وأوجه المقارنة بينهما.

ثانياً: أثبات حتمية ومشروعية حربنا العادلة ضد الفرس المتعصبين ومواجهتهم داخل أراضيهم،
لأن الاعتداء الفارسي والإضرار بالوضع المستقر والنهضة الصاعدة في أحد أجزاء الأمة العربية هو ليس مسألة محلية محددة.
ثالثا: ما دار خلال حصار الموصل ودحر الفرس من " حرب نفسية" مما يهم متتبعي قضايا الحرب النفسية والمعنويات في الحروب.
        ولا اعتبر بحثي عن حصار الموصل تكراراً لما نشر سابقا، فقد صدر قبل سبع سنوات (عام 1975)  كتاب من جامعة (ديانا) في الولايات المتحدة الأمريكية هو رسالة دكتوراه لكاتبها (روبرت أولسن) بعنوان " حصار الموصل والعلاقات الفارسية- العثمانية في الأعوام "1718-1743"، وهو من سلسلة الدراسات (الأورالية) (2) والأولطية (3). ويتناول فيه خلفيات وظروف حصار الموصل من جهة نظرة اقتصادية- عالمية تتصل حتى بأسعار الذهب في العالم والمواد الاستهلاكية وطرق التجارة العالمية. وصدرت قبل ثلاث سنوات (عام 1079) أطروحة أخرى للدكتوراه من جامعة اوكسفورد لكاتبها (بير سي كمب) موضوعها (الموصل في عهد الجليلين للفترة من 1726-1834) فيها فصول تستعرض الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتلك الحقبة- ومنها حصار الموصل. وهي غنية بالخرائط التفصيلية أحدها خريطة لمواصلات الموصل التجارية والعالمية آنذاك (ص 59)، توضح مركز الموصل الحيوي كمركز مواصلات تجاري عالمي.
أن القصد من ذكر هاتين الدراستين الأجنبيتين عن حصار الموصل- وهما من المراجع المهمة في نظري كأبحاث أكاديمية رصينة- هو أن البحث في حصار الموصل ربما لم يتنبه بعد، وأن الحرب العراقية- الفارسية في أواخر القرن العشرين ستكون حافزاً قوياً لإعادة كتابة تاريخ كثير من الإحداث من وجهة نظر جديدة وبحقائق ودلائل لم تكن معروفة.

البعد العالمي لحصار الموصل:
تختلف نظرة المؤرخين والمحللين السياسين إلى حملات الفرس على العراق والبلاد العربية حسب اتجاهاتهم وأهداف مؤلفاتهم، وحسب سعة النظر إلى الإحداث. فقد انطلت على الكثير منهم كون تلك الحروب دينية- طائفية، وأعتبرها البعض الأخر صراعاً على السلطة بين إمبراطوريتين فارسية وعثمانية، أو صفوية وعثمانية. ولم يتناول بعض الكتاب المستشرقون حصار الموصل بتفصيل واف:
فالكاتب البريطاني (لورنس لوكهارت) في كتابه (نادر شاه) (4) و (سقوط الدولة الصفوية) (5)، تناول الدولة الصفوية حتى عام 1730 ثم حياة نادر شاه فقط. أما (ستيفن لونكريك) في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) (6)، فأنه تطرق إلى حصار الموصل بعدة صفحات. وأعتبر الكاتبان الحادثة كواحدة من أحداث الصراع الإيراني- العثماني الذي اعتبراه صراعاً طائفياً. أما الدكتور (علي حكمت) في كتابه بالفرنسية (مقالات عن العلاقات السياسية بين إيران والعثمانيين في الأعوام 1722 إلى 1747)، فرغم تعمقه في البحث والتحليل فقد نظر إلى تلك الحرب كمحاولة لتوحيد الإسلام، فلم يختلف من لوكهارت ولونكريك في اعتبار الحرب صراعاً من أجل تحقيق المذهب الجعفري كمذهب خامس. أما الكتابان:
أ- ب. م. هولت (الهلال الخصيب من 1922- 1516).
ب- كليمنت هوارت (بالفرنسية) (تاريخ بغداد في الأزمنة الحديثة)، في النصف الأول من القرن الثامن عشر.... فهي كتب وغير تخصصية لا تنفذ إلى أسرار التاريخ العثماني. ووقع مؤرخون آخرون في أخطاء فظيعة. فكتاب (السياسة الخارجية لإيران) تأليف (روح الله رمضاني)يذكر في الصفحة (30) أن نادر شاه أحتل كركوك والموصل، فقلب الهزيمة إلى نصر (7).
        لكن الاهتمام العالمي بحصار الموصل يتضح أيضاً في تتبع الغرب لما كان يجري في قلب الشرق الأوسط. فالسفير البريطاني لدى الباب العالي في استانبول (المستر ستانهوب اسبينول) كان يبعث بتقاريره المتتابعة إلى الخارجية البريطانية- مستنداً إلى مخبريه وتابعيه السريين- نورد منها المقاطع الآتية (8):
في 1743/9/7: " .... يزداد اهتمام الباب بزحف الشاه على الموصل بعد احتلاله كركوك....".
في 1743/10/5: ".... لكن من المؤكد وجود عدم ارتياح بين المواطنين والعسكر للحرب الفارسية، ومن معلوماتي وما أستلمه من تقارير من الجبهة في منطقة الموصل فأن الأمور تتطور بخطورة بعد احتلال كركوك....وبقاء الموصل لوحدها، بينما لم تستطع استانبول نجدتها بل أحالت النجدة إلى وزير حلب الذي توجه إلى الموصل بألفين من المحاربين فقط، بينما أصبح ما تبقى من مناطق العراق (ما بين النهرين) شبه مشلول أمام الاحتلال الفارسي. ولدي تقارير سرية تفيد أن الموصل قد استسلمت....".
".... أن الحقيقة واضحة الآن بأن السلطة في استانبول ضعيفة والأمور سيئة وان الباب العالي يحاول إخفاء ذلك عن العامة، فليس بإمكانها مساعدة الموصل ضد الزحف الفارسي على الأقل فوراً بل ربما إلى الربيع المقبل، آملة أن تتمكن قوات الموصل من صد الهجوم لفترة ريثما تتمكن الدولة العثمانية من تأمين نفسها".
في 1743/10/28 " سيدي اللورد.... وكما سبق إن بينت لسيادتكم في رسائل سابقة إن وضع الموصل حرج جداً، وأن الباب العالي يعلق أمله على مقاومة كتيبة الجيش في الموصل والتي تبدو لحد الآن ضعيفة مقارنة بالقوة الفارسية الكبيرة التي تحاصرها. وإن الحوادث المقبلة ستكشف عن تطور الوضع، لكن سقوط الموصل، كما سيكشف الزمن هو خطر على السلطان".
في 1743/11/20: ".... أن آخر الأنباء أفادت بان الحصار رفع عن الموصل وأن خسارة الشاه فادحة....، وأن هذا قد ازاح محنة وخطراً كان يهدد الدولة العثمانية التي كان أملها بالنصر ضعيفاً...".
أما رسائل القنصل الفرنسي في بغداد إلى وزير خارجية فرنسا، والمدعو (عمانوئيل) للقديس أسقف بغداد (بابل) على الكلدان، فقد تناولت الموضوع أيضاً باهتمام شديد وأشارت إلى كون نادر شاه يقصد من احتلال الموصل التوجه إلى حلب ثم (أورفة) فالأناضول، وأن هناك طلبات من الشاه إلى القنصل بتزويده بمراصد فلكية ربما كانت ستستعمل لأغراض حربية- إذ لم يعرف عن نادر شاه اهتمامه بعلم الفلك. كذلك يشير القنصل إلى أن مجموع قتلى الفرس نتيجة حصار الموصل (22) ألف قتيل مقابل ألفي من الموصل عدا الجرحى وما خلفه الشاه المهزوم من مدافع وعتاد(9).
يتبين مما تقدم أن (مرض) الإمبراطورية العثمانية وأطماع الفرس كان موضوع تشخيص العالم الغربي منذ منتصف القرن الثامن عشر، ومنذ أن بدأت ثورة أو تمرد (الباترونا خليل) مما أتعب السلطة العثمانية من الداخل منذ عام 1730، وان العراق بصورة خاصة كان ساحة الصراع بين الفرس والعثمانيين، لكن الدفاع والصمود والتضحيات كانت ملقاة على كاهل العراقيين أولاً (والعرب عموماً)، وأن أبعاد الزحف الفارسي نحو الشرق لم يكن مجرد نزوات أو نعرات طائفية بل جزءا من حركة التاريخ في هذا الجزء من العالم نستطيع من خلاله كذلك تفسير محركات العداء الإيراني والحكم المتعصب وظهور شخصية الخميني الآن ليهاجم العالم العربي ابتداء بالعراق وكما موضح فيما يلي:
1-   شهد العالم في النصف الأول من القرن الثامن عشر ارتفاعا ملحوظا في سعر الفضة والذهب، وحماسا في تجارة الحديد، وازدياداً في الأسعار، وتضخما نقديا، مما أدى بالمتصارعين في الحروب المستمرة إلى اللجوء حتى إلى إذابة المصوغات الفضية والذهبية للصرف على الحروب الطاحنة بين الفرس والعثمانيين، وإن ما كان يدور في العالم منذ أواخر القرن السادس عشر وحتى حصار الموصل هو ثورة وأزمة في الأسعار والثروات والنزاع الاقتصادي. مما يذكرنا اليوم بـ (ثورة الطاقة) وارتفاع سعر الذهب في القرن العشرين والصراعات بين الدول الكبرى على مصادر الطاقة وعلى ثروات العالم الثالث ودول عدم الانحياز، مما يحتم وجود دوافع لتهديد استقرار المنطقة وإيجاد شخصية حمقاء متعصبة كالخميني تقوم بدور التخريب من أجل إحداث تغيير في التركيب والبناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعالم العربي بما يخدم أغراض الامبريالية العالمية حتى لو كان ذلك عن طريق حرب تبدو للبسطاء أنها موضعية.
2-   اعتبر المؤرخون والناقدون السياسيون إن حصار نادرشاه للموصل من أهم أحداث القرن الثامن عشر في الشرق الأوسط لأن الأبعاد الحقيقية لاجتياح شمالي العراق واحتلال الموصل كان النفوذ إلى قلب الأناضول وقلب الإمبراطورية العثمانية ثم تغيير خارطة العالم وتوزيع مناطق النفوذ (10).
3-   إن عدم استطاعة الباب العالي إرسال معونة ونجدة إلى الموصل أبرز الحقيقة التي بدأ  يحس بها العرب وهي أن اندحار حاكم إيران لم يكن على يد جيوش الإمبراطورية العثمانية أو بقيادة أحدهم، بل من قبل جيش محلي سانده وشاركه شعب عربي مؤمن بوطنيته وولائه لمدينته ودياره وبوجود حاكم من أهل المدينة نفسها. فالوطنية والقومية كانتا العامل الحاسم في الصمود والنصر (11).
4-   إن ضخامة حملة نادرشاه التي توجه بها إلى العراق تدل على نياته التوسعية التي لا تتناسب مع حملة محلية أو محدودة، فقد قدر جيشه بما لا يقل عن (300) الف جندي، بينما قدره (محمد كاظم) المؤرخ الإيراني بـ (375) الف جندي من مختلف القوميات (12)، وهو عدد يقارب من حيث الأهمية جيش نابليون الذي توجه به إلى روسيا والذي بلغ تعداده (400) الف جندي فقط. أما ما وصل إلى الموصل لحصارها فقد بلغ تعداده (200) الف جندي (بعد أن ترك نادرشاه جزءاً منه قرب بغداد وجنوبها وبعد احتلال كركوك وأربيل). وقد اختلفت الأرقام بين المصادر إذ ذكر البعض أنه كان (300) الف، ولكنه يقارب الربع مليون دون ريب.
5-   على أن العبرة ليست في العدد فحسب، بل في أطماع الشاه المغرور التي بانت في رسالة الإنذار التي وجهها إلى الباب العالي والتي يخاطبه فيها يقول: "..أن يستعيد لملاقاة جيش يحكم العالم.."، وهذا هو منتهى الطموح والشره العسكري والسياسي.
ولقد تبين أن تلك الحملة الضخمة كانت مخططة باصرار من قبل نادرشاه رغم علمه بسوء الأحوال الداخلية والاقتصادية لإيران، فكانت أشبه بمحاولة انتحارية أو مقامرة أما إن توصله إلى المجد أو تطمس وتبدد بعض مشاكله الداخلية.
6-   إن الهجوم على العراق وحصار بغداد عام 1732، ثم إعادة الهجوم واحتلال كركوك وحصار الموصل كان يخدم غرضاً آخر لحاكم إيران الذي اكتشف إن الأوضاع الداخلية في إيران ليست في صالحه وإن الهاء الجيش بحرب ينقذه من التذمر والثورة والكره الذي وصل درجة عالية ضده. فقد بدأت اقتصاديات إيران بالتدهور بع أن نهب نادرشاه واستولى على أموال الصفويين واستأثر بها لنفسه وأتباعه، كما أن نزاعه مع الصفويين لم يكن قد زال، لذلك غرقت إيران في فوضى اجتماعية. أم الظلم والكذب والخديعة فقد تجلت عندما تراجع عن وعده للشعب إيراني بالإعفاء من الضريبة لمدة ثلاث سنوات بعد أن رجع بذهب طائل من غزوة الهند. وبدلاً من ذلك فانه قام بمصادرة واستملاك أراضِ دينية (وقفية) وأضافها إلى ملكيته الخاصة. وانتشر المحصلون والجباة في البلاد لجمع الضرائب وإثارة الفتن.
وكانت أحكام نادرشاه ضد مواطنيه قاسية وجائرة إلى درجة إن جماهير كبيرة من سكان القرى والمدن هاجرت وهربت إلى الجبال خوفاً من بطشه وطغيانه البربري. كما تفرق آخرون إلى تركيا والهند والجزيرة العربية، وركب بعضهم الآخر البحر إلى أماكن أبعد. وغادر الارمن إيران بحجة التجارة أو الحج إلى بيت المقدس كما ذكر الرحالة (جوناس هانوي) عام
1742 وسجلها في انطباعاته وكتاباته عن إيران (13).
7-   إن الشروط التي طالب بها نادرشاه سلطان العثمانيين حول المذهب الجعفري بجعله مذهبا خامسا وتعيين أمير للحج من إيران والذي كان يسير عادة من الشام كل عام، وحق اكساء الكعبة ووجوب مرور قافلة الحجيج الإيرانيين من النجف أو الاحساء كانت لعبة سياسية مكشوفة لأن أفعاله في إيران قد برهنت لعلماء الشيعة شخصيته المغامرة الكاذبة. فقد كان يبطش بالشيعة وبكل حركة مقاومة حتى أن رحل معظم أهاليها إلى جبال لورستان. أما استيلاؤه على أوقاف الشيعة الجعفرية وضمها إلى املاكه الخاصة فقد برهنت على عدم صدق دعوته الشيعية، بل كان ذلك سببا في ريبة وشك علماء الشيعة الأفاضل في صدق نواياه وادعاءاته. وكان تذبذبه في المطالب الدينية وتغييرها حسب المواقف الحربية دليلاً آخر على عدم ايمانه بأي دين وعلى خداعه السياسي في ادعاء الزعامة الإسلامية واستغلاله لمآربه وأطماعه.
8-   إن اهتمام نادرشاه ببناء أسطول بحري للتجارة في الخليج العربي وصرفه وتبذيره الأموال الطائلة لتحقيق ذلك كان لغرض النفوذ الدولي والمنافسة التجارية مع الروس والعثمانيين. وقد استخدم الاف الأسرى من غزواته المختلفة مع أفراد جيشه، وجعل مدينة (بوشير) مركزاً لبناء ذلك الأسطول.
9-   إن مهاجمة نادرشاه للموصل كان لازالة معقل خطير وفتح باب حيوي يقوده إلى الأناضول وأوربا لأن الموصل كانت مركز تقاطع خطوط مواصلات تجارية بين الهند وإيران وتركيا فأوربا. والتي نوجزها بالخطوط الرئيسة التالية (14):
‌أ.       موصل-أربيل-كركوك-سليمانية-همدان.
‌ب.  موصل-بغداد-كرمنشاه، أو بغداد-بصرة.
‌ج.    موصل-عانة-الشام.
‌د.      موصل-نصيبين-ماردين-أورفه، ثم أورفه-حلب-اسكندرونه
أورفه-ديار بكر-صمصون (والبحر الأسود)
‌ه.   موصل-عمادية-تبريز-ارضروم (فالبحر الأسود)، أو تبريز- (بحر قزوين).
وكانت الموصل حصنا عسكريا له إستراتيجية قوية. والحقيقة أنه منذ احتلال العثمانيين لشمالي العراق في موقعه (جالديران) عام 920ه / 1514م استخدمت الموصل مباشرة كقاعدة لمقاومة وصد الوجود الفارسي في العراق ولتموين الحملات العثمانية المستهدفة استعادة بغداد والعراق الجنوبي من الإيرانيين (15).
10- ولقد ثبت إن نادرشاه كان يفاوض (شركة الهند الشرقية) من أجل تعاون الانكليز مع إيران ضد العرب. وكانت حروب الخليج آنذاك سببا في تعطيل تجارة العرب وعرقلة الشحن المنطلق من بغداد فالبصرة فالبحر.
وفي الوقت نفسه-أي في عام 1743-هاجم نادرشاه بقوات أخرى أمارة عمان ليمهد العمل والحركة لأسطوله ونفوذه، لكن الحملة كلفته الكثير من الرجال والمال وشعورا جديدا بالضعف.

0 Comments:

إرسال تعليق

<< Home